2015-01-07

موسم الخطوبة

حتى قبل أن تمر أربعينية الراحل عبد الله باها، سارع عبد الإله بنكيران إلى طنجة لكي يخطب للشاب سمير عبد المولى، ففي نهاية المطاف الحي أولى من الميت. والظاهر أن بنكيران يريد أن يعطي الانطباع بأن الحياة تستمر، حتى ولو كان قد فقد نصفه، بل إنه أصبح يحاول ما أمكن نسيان صديق عمره عندما أمر إخوانه في الحزب بأن يتوقفوا عن نسج الأساطير حول عبد الله باها، خصوصا بعدما نشرت صحافة الحزب كشفا للرصيد الهزيل الذي تركه باها بعد موته في حسابه البنكي والذي لم يكن يتعدى 15 ألف درهم، إذ لم يترك الراحل لا عقارات ولا أملاكا، وإنما ترك فقط شيكين بمبلغ 5000 درهم وهما عن قرض كان قد قدمه لأحد من معارفه وتسلم شيكين مقابله. وربما تجاهل ناشرو هذا الخبر أنهم أساؤوا إلى الراحل باها بذكر أمر هذين الشيكين، فالراحل كان وزير دولة، ولا يليق بوزير في مستواه أن يحتفظ بشيكين على سبيل الضمان وهو يعرف أن القانون يمنع ذلك وأن الشيك لا يعطى على سبيل الضمان. 

ولكي يعطي بنكيران صورة أخرى عن عبد الله باها تشوش على تلك الهالة التي أصبح يتمتع بها بعد موته حكى لإخوانه في الحزب كيف أنه طلب ذات مرة من باها أن يقرضه بعض المال، فرفض هذا الأخير ذلك، وقال إن باها كان يحب أن يبقى ماله معه.
وهكذا ففي مقابل صورة الرجل الزاهد في المال التي شاعت في مواقع التواصل الاجتماعية مثل النار في الهشيم يقدم لنا بنكيران صورة أخرى للراحل تحوله من زاهد إلى حريص على المال. 


والظاهر أن عبد الإله بنكيران يحاول بكل الطرق طي صفحة عبد الله باها، ولذلك قرر أن يذهب إلى طنجة لكي يخطب للشاب سمير عبد المولى الذي فكر أخيرا في إكمال دينه. وإذا كانت بعض وسائل الإعلام قد تناقلت خبر «الخطبة» التي تطوع لها بنكيران، فإن خبرا آخر ظل بعيدا عن التناول، ويتعلق الأمر بحادثة وقعت لبنكيران في الطريق بين الرباط وطنجة.
طبعا لا يتعلق الأمر بحادث سير، لحسن الحظ، بل بشخص كان واقفا في الطريق يقوم بالأطوصطوب للسيارات المارة في الطريق السيار لكي تتوقف وتحمله. بنكيران الذي كان راكبا في سيارته مع بعض مقربيه أشار إلى السائق بأن يتوقف لكي يحمل معهم في السيارة رجل الأوطوصطوب. ركب الرجل في السيارة وعندما وصل القوم إلى طنجة ذهب هذا الأخير إلى حال سبيله بينما ذهب الخاطب بنكيران وحاشيته إلى دار «الخطبة». 


وبما أن سيارة رئيس الحكومة ليست مثل كل سيارات عباد الله، فقد كانت مراقبة، كما تقتضي ذلك شروط الحماية الخاصة بموظفي الدولة الكبار. ولذلك فعندما نزل الرجل من السيارة تحركت الهواتف لمعرفة هوية رجل الأوطوصطوب. ومن سوء حظ الرجل أنه طلع رجل أمن، والمصيبة هي أنه غادر منطقة عمله دون رخصة من رؤسائه، فضلا عن أنه قام بعمل غير قانوني عندما وقف على قارعة الطريق يشير بيده لمن يحمله.
وكما هو جار به العمل في مثل هذه الأمور استدعت الإدارة العامة للأمن الوطني رجل الشرطة واتخذت في حقه الإجراء الإداري المناسب. رجل الشرطة «مكانش من العاكزين» حمل زوجته وأبناءه وذهب إلى بيت رئيس الحكومة ورمى العار عليه. فما كان من بنكيران سوى أن اتصل بالمدير العام للأمن الوطني وقال له إن الشرطي في حمايته، ولا يجب معاقبته على ما قام به. 


هذه الواقعة تطرح أسئلة عميقة حول مدى احترام رئيس الحكومة للقانون، طالما أن رئيس الحكومة مفروض فيه أنه يمثل المؤسسات ويجب أن يحرص على احترام القانون وتطبيقه. أول خرق للقانون قام به رئيس الحكومة هو توقيفه لسيارته في الطريق السيار، الممنوع فيه الوقوف والتوقف، من أجل إركاب شخص غريب يجهل كل شيء عن هويته ودوافعه ونواياه. كيف كان سيكون منظرنا أمام العالم لو أن هذا الشخص كان إرهابيا خطط لإلحاق الأذى برئيس الحكومة؟ ثم كيف يسمح رئيس الحكومة لشخص غريب بأن يركب معه السيارة الحكومية التي وضعتها الدولة رهن إشارته؟ وماذا لو أن هذا الشخص تعرض لأزمة صحية داخل سيارة رئيس الحكومة، كيف كان سيشرح ذلك للرأي العام؟ ولحسن الحظ أن هذه الاحتمالات كلها، على وجاهتها، لم يكتب لها أن تتحقق، لكن تطورات هذه القضية تحققت على أرض الواقع، وأحد تجلياتها أن الشرطي موقوف عن العمل الآن من طرف إدارته بسبب مغادرته مكان عمله دون رخصة. 


والمشكلة أن رئيس الحكومة نصب نفسه مدافعا عنه ضد إدارته، رغم أنه يعلم الآن هوية الشخص الذي حمله في سيارته ويعلم الخطأ المهني الذي ارتكبه. وواضح أن رئيس الحكومة اعتبر معاقبة هذا الشرطي انتقاما شخصيا منه جزاء له على حمله معه في سيارته، ولذلك استعمل عبارة «الحماية» في تبنيه لملف الشرطي، وكأنه يحذر الإدارة العامة للأمن الوطني من أن معاقبة الشرطي تعني تحديا مباشرا لرئيس الحكومة. لقد كان على رئيس الحكومة، المفروض فيه حماية القانون واحترام التراتبية المهنية، أن يشرح للشرطي أن ما قام به يعتبر خطأ مهنيا، فقد كان عليه قبل أن ينوي السفر أن يحصل أولا على رخصة من رؤسائه المباشرين.
وهذه مناسبة لكي نقول لرئيس الحكومة أنه مطالب بإصدار تعليمات لوزير الداخلية لكي يبلغها للمدير العام للأمن الوطني بتسهيل مسطرة حصول رجال الأمن على تراخيص بالسفر والعطل، فهم بحكم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم والنقص الكبير في أعدادهم مطالبون بالاشتغال فوق طاقتهم، وأحيانا دون تعويضات عن الساعات الإضافية. وبسبب هذا الضغط الكبير أصبحنا نسمع بين يوم وآخر عن شرطي يطلق الرصاص على نفسه وآخر ينتحر شنقا وثالث ينزع ملابسه ويقتحم مكتب رئيسه محتجا. وكان على رئيس الحكومة أن يخبره ثانيا أنه بعد الحصول على رخصة السفر كان عليه أن يتنقل نحو المحطة الطرقية أو محطة القطار لكي يقتني تذكرة سفره ويجنب نفسه محنة الوقوف على قارعة الطريق لتسول مقعد في سيارة أو شاحنة أو «خطاف».


وقد كانت ظاهرة وقوف عناصر من الأجهزة العسكرية والأمنية وحراس السجون قد اختفت من طرق المملكة ذات وقت، لكنها مؤخرا عادت بشكل يدعو إلى الاستهجان، إذ لا يليق بسمعة أجهزة تحمي أمن وممتلكات الوطن والمواطنين أن تقف عناصره بالزي المهني على قارعة الطرق للتوسل إلى سيارات العابرين من أجل التوقف لهم. لكن رئيس الحكومة فضل أن يغمض عينيه عن كل هذا وأن يقف في صف خرق القانون، وهذه ليست أول مرة يقوم فيها بذلك، ألم يزره قبل سنة مراقبو البلدية لكي يوقفوا ورش البناء العشوائي الذي كان بصدده في بيته دون أن يكون قد سلك المساطر القانونية للحصول على رخصة الإصلاح؟ ولو أن رئيس الحكومة أعرض عن التوقف في الطريق وامتنع عن إركاب الشرطي معه في سيارة الدولة، لكان جنب نفسه الانتقاد وجنب الشرطي العقوبة. فرئيس الحكومة ذهب يأكل الحلوى في حفل الخطوبة بينما الشرطي أكلها «فعظامو» بسبب هذا «الزهر المكفس» الذي لاقاه مع رئيس الحكومة. 


الآن يضع رئيس الحكومة إحدى الإدارات التابعة لقطاع وزاري يوجد تحت سلطته موضع حرج، فهل تقبل هذه الإدارة بمنطق «الحماية» الذي رفعه رئيس الحكومة في وجهها وهو يضع الشرطي المخطئ تحت جناحه، أم تتجاهل منطق «الحماية» وتطبق منطق القانون وتتحدى بذلك سلطة رئيس الحكومة؟ 


هذا هو السؤال الذي سنرى جوابه في الأيام المقبلة.